حــــــــــــــــلم ضــــــــــــــــــــائـــــــــع
صفحة 1 من اصل 1
حــــــــــــــــلم ضــــــــــــــــــــائـــــــــع
من قلب المعاناة , وسط المخيم حيث الأزقة الضيقة , والجدران المتصدعة , والبيوت المتهالكة , والمعاناة المستفحلة
, والنفوس الهزيلة , والأجساد النحيلة , والفقر المدقع , عاش محمود , واسرته , أبوان , وأخوان , وأخت .
خرج محمود , ذو البشرة السمراء , والسنوات العشر , يحمل حقيبته المدرسية , وبها قلمه ودفتره , وبها حلمه ومستقبله , الي مدرسة اللاجئين , وسط المخيم , علي حافة الطريق توقف , ضجيج في السحاب , أصوات الطائرات بالعشرات
وفجأة
رعد الصواريخ , وبرق القنابل , زلزال يضرب في كل اتجاه , الكل يصرخ , الكل يهرب , رائحة الدخان , رائحة البارود , رائحة الدمار , رائحة الخراب , تملأ المكان , وكل مكان , سيارات مسرعة , أصوات الاسعافات , نقل الجرحي والشهداء , محمود يرقب المشهد , يدق قلبه الطفولي البرئ , كالسهام التي تصيب كبده , شعر بالخطر , والخوف , والده , حامل حلمه , ومستقبله , ضابط أمن مستهدف , باستهداف مركزه الامني الذي يعمل فيه , دمر المركز , وسوي بالارض
يلقي محمود حقيبته أرضا , يركض كالفهد , أسرع الخطي , إلي حيث الموت , إلي حيث الخراب , الي حيث الدمار , إلي حيث الهلاك , وقف علي أطلال المركز , يتأمل , يتفحص , يراقب , عشرات الجثث المحترقة , رؤوس مفصولة , أشلاء متناثرة , وبين الزحام , ورائحة الدم المنبعثة من كل زاوية , الحيرة تسيطر عليه , تتملكه , يلتفت يسرة , يلتفت يمنة , سارع الخطوات أكثر , بين الشهداء , بين الركام , بين الأحياء , عله يجد الأمل , عله يجد والده يسير بين البشر , الخوف يتملك قلبه البرئ أكثر , جثة هناك , وعشرات هنا , جنودا وضباطا , لافرق عند الموت , لافرق عند سقوط القنابل والقذائف , دموع علي خديه , تحرقه , تغرقه , تتعثر قدماه , لايمل , ولا يكل , يريد معرفة المصير المجهول لوالده , يحبو بين الركام , بين الأشلاء , بين الخراب والدمار , وقف ونظر , صرخ ولطم , إنه جسد بلا رأس , يلف وسطه حزام بلون العلم الفلسطيني , ومسدس اسود , منقوش علي مقبضه عاشت فلسطين حرة أبية , إنه والده , الذي وعده يوما , بلبس الحزام , وحمل المسدس .
الأيادي تحمل الشهيد , والإسعاف يسير به الي المشفي , والأكتاف تأخذه الي منزله , ونظرة الوداع بين الأهل قاتلة , مميتة , يملؤها الصراخ , وتغرقها الدمعات , والقلوب أصابتها الحسرة , محمود يقف جانبا ,يراقب العيون , والدموع , والنحيب , والصراخ , والتكبير , وكل الحركات , يقترب , يلمس نعش والده , يتحدث اليه , بنبرة طفولية محزنه , أبي أبي أبي , كلمني , حدثني , لا أمل في الحديث , لا أمل في الكلام , الكل يجهش بالبكاء من هول المنظر , ويصرخ محمود مناديا , أبي أبي أبي لاتتركنا , لا ترحل عنا , إبقي معنا , نريدك , إنها صرخة الضياع للأحلام , للأمال , للمستقبل .
ينطلق المشيعون , وأمواجهم تكبر عند كل شارع , عند كل حارة , عند كل خطوة قدم , وصرخة حنجرة , كالنحل , كالسحاب , سراعا نحو المسجد للصلاة علي الشهيد , تتسابق الأيادي لحمل العريس , حمل الشهيد الذي إختاره مولاه لجواره , وبين الأمواج محمود وكأنه يسير عكس التيار , لايشعر بما حوله , ولا كيف يسير , الأحضان تتلقفه , تخفف عنه , والأيادي تجره مع المسير , قبة المسجد تصدع بالقرأن , والتهنئة بالشهادة لاهل الشهيد , إقتربت الجموع , دخلوا المحراب , وضعوا النعش أولا , والأقدام ثانيا , ومحمود في الخلف يجلس , يراقب الحركات , والأيادي , لايدري مايدور حوله , عجيب أمر المصلين , يصلون علي أبي , هل هذه حقيقة , وهل سيرحل من كان يضحكني , ويفرحني , يطعمني , ويلبسني , يكسوني , ويسترني , تنتهي الصلاة .
ينطلق المشيعون الي المقبرة , إلي نهاية المطاف في الدنيا , ومحمود تجره الأيادي , تعطف عليه القلوب والصدور , وصلوا القبر , جلس المشيعون , تكلم شيخ كبير , نعي الشهيد , وكأنه ينعي حلم محمود , وطفولته , يودع الشيخ الشهيد , وكانه يودع طفولة محمود , وبرءة محمود , يواري جسد الشهيد الثري , وقد إستقبل القبلة , ترحل الجموع , ويذهب الأهل والأصحاب , ويبقي محمود , مندهش , يبكي , يصرخ , غير مصدق , لا أحد بقي معه إلا الأموات , والقبور , والأشواك المحيطة به , زرع الصغير صبارة , ووردة , وسقي القبر , قرأ الفاتحة علي روح والده , ترك القبر , غادر المقبرة , وصل البيت , الجموع تلفه , والقلوب تحتضنه , والمعزون من كل حدب وصوب , غادرت الشمس , وغابت , وحل الظلام , غادرت الجموع, وحلت الوحشة , والظلمة , والوحدة , الكل ذهب للنوم , ومحمود مثلهم ذهب لغرفته , لمس فراشه , شمه , إنها رائحة والده الشهيد , بكي بحرقة , وألم , إنتفخت عيناه من النحيب , إنتصف الليل , الكل نائم , الكل منتظر الصبح , ومحمود هائم بتفكيره , ومصيره , وأحلامه , وكلام والده الشهيد , ووعوده له , لحظات نرجسية حين استرجع وعود والده , لكنها الصدمة حين يصحو من تفكيره النرجسي , إنها أحلام يقظة , وصاحب الوعود قد رحل , فارق الدنيا , أذن الفجر , تعب الجسد الصغير , الهزيل , من التفكير الكبير , كيف سيكون المستقبل , والقادم , وماذا يخفي الغد , ذبلت العيون , وقبل أن يضع محمود الرأس علي الوسادة , إرتفع صوته وقال بحسرة ومرارة
كيف أنام , وقد ماتت كل أحلامي
روبا- كول ذهبي
- عدد المساهمات : 439
تاريخ التسجيل : 30/04/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت ديسمبر 28, 2013 8:22 am من طرف khaled
» حتى الحنا صار بالالوان
الثلاثاء مايو 25, 2010 3:58 am من طرف Admin
» تعذيب الاباء للابناء
الجمعة مايو 14, 2010 3:28 am من طرف روبا
» فارق العمر بين الاباء والابناء؟؟؟؟؟؟؟؟
الجمعة مايو 14, 2010 3:23 am من طرف روبا
» المـوعـد الضــايـع راشــد الماجد و يـــارا
الأربعاء مايو 12, 2010 5:51 am من طرف روبا
» كلمات اغنية أنا قادرة أعيش + swaY للملكة هيفا وهبي
الأربعاء مايو 12, 2010 5:50 am من طرف روبا
» خيانة الصديق اغنية رائعة
الأربعاء مايو 12, 2010 5:48 am من طرف روبا
» جميع اغاني القيصر 2010
الأربعاء مايو 12, 2010 5:43 am من طرف روبا
» اغنية حزينة ورائعة اسمها بيسان
الأربعاء مايو 12, 2010 5:42 am من طرف روبا